انشقاق!!



مزقت كل أوراقها المبعثرة في حجرتها الصغيرة..ثم حملتها في صندوق خشبي قديم.. لم تشأ أن تحتفظ ببقايا من ذكريات الراحلون عنها بعيدًا إلى حيث يرحلون!! لا تعلم إن كانت ستتخلص منها مثلما لفظتهم الحياة فرحلوا وتركوها وحيدة..أم أنها ستذروها للرياح هناك..فوق قبورهم التي ضمتهم عندما رمتهم أيدي مازالت تنتظر دورها للرحيل.. خرجت .. لاتعلم إلى أين ستكون وجهتها!! هل إلى البحر لتلقي بذلك الصندوق فتحرر قيود حبر لم يستطع أن يفارق الأوراق الممزقة؟! أم إلى المقبرة لتنثرها فوق قبورهم مثلما خططت مسبقًا!! قدمان ترتدي نعلين بالية.. هناك في الأروقة تجول.. تلتفت في كل ناحية حتى السماء رفعت بصرها إليها!! لا أعلم ماذا تريد هذه الكائن البشري الغريب من السماء!! أو حتى من الأرض حينما تقسوا عليها بقدميها ثم تنظر فتحرك شفتيها باتجاهين متعاكسين!! عادت.. حيث حجرتها مجددًا .. وحيث الصباح من جديد.. لتخرج الصندوق الخشبي ذاته..ثم تلقي نظرة..ليس إليه وحده..بل إلى الأوراق المحنطة في جوفه!! :"هل حان الوقت يا ترى؟!"..هذا ما حدثت به نفسها حينما أغلقت الصندوق ونظرت من نافذتها الخشبية المزرقة كالسماء.. :"علّها تمطر"..حلم يراودها منذ يومين.. لا أعلم لماذا تلح كل ساعة في انتظار دمع السماء أن يهطل!! تنهدت بقوة..وكأنها تعتزم المضي بلا انتظار لايحمل هوية!! فاقت من برودها الذي جعل من عالمها ثلج يرفض اكتساء البياض.. وعادت للصندوق!! حملته هذه المرة بين كفيها دون أن تضمه لصدرها.. علّه يجد مأوى لما بداخله فيلفظه له.. حصى قد نحتته الجبال.. أو ذرات من الرمال المجتمعة.. تمشي وكأنها تعرف طريقها هذه المرة.. لم تنظر للسماء مثلما كانت تفعل.. ولم تنظر حتى للأرض!! كل ما تنظر إليه هو صندوق خشبي صغير يحمل في رحمه أوراق ممزقة قد فارقت الحياة ورفضت الإجهاض!! توقفت فجأة!! وأخذت عيناها تنظر ببطء إلى اليمين.. ابتسمت ثم ارتجفت شفتيها!! إنها تكتم عبرة بدأت تخنق أنفاسها!! دخلت من حيث لا تدري إلى المزرعة المحفوفة بأشجار الزيتون.. وبدأت تحفر بأطراف أصابعها تربة خصبة..ثم فتحت الصندوق لتلقي بالأوراق الممزقة.. لم تمطر السماء تلك اللحظة ولا حتى قبل يومين.. وهل لنا أن نختار متى يهطل دمع السماء!! جلست على قدميها وهي تنظر للأوراق المبعثرة.. وأمطار عينيها تهطل كالرذاذ لا أكثر!! لتبتل الأوراق المبعثرة كبذور الورد!! عندما تبكي الأنثى بداخلنا من يجفف أمطارها!! خرجت من المزرعة دون أن تلقي بالرمال فوق الأوراق.!! هل ستنبت ياترى مجددًا!! أم أنها ستعود أوراق مكتملة النمو!! هناك..من تلك النافذة الخشبية.. تطل بكبرياء منكسر.. تنظر للسماء لا إليها بل إلى الفضاء بين السماء والأرض!! "ليته غسلها ماء السماء فيمحو دناستها بطهره!!" هي الأوراق تتطاير في سماء المدينة دون أن تحمل في جوفها حبر!! فلم تكن لتتعمد محي بقايا من ذكرياتهم!! لكنها وعود حملتها تلك الأوراق أقسمت على ألا تتخلى عنها!! "عندما تمنح العقول للأجساد من يجبرها على تلفيق الوعود!!

إرسال تعليق

توقيــعك نور ينبعث من سماء الوجد:)